تركيا بلا حليف

بقلم/ الباحث حسين محمد أوغلو

تواجه تركيا حملة شعواء من كافة الأطراف الإقليمية والدولية بسبب عدم انصياعها للإملاءات الدولية وبسبب ثورتها الصناعية التي بدأت تؤتى أكلها خاصة في مجال الصناعات الحربية التي أثبتت فاعليتها في ليبيا وفي سوريا وأخيرا في إقليم كاراباخ الذي استطاعت أذربيجان تحريره من أرمينيا بعد عقود من الإحتلال بفضل الأسلحة التركية، هذه الثورة الصناعية جعلت تركيا تتحرر شيئا فشيئا من الإملاءات الدولة وبدأت تخرج من الحضيرة التي تقودها الدول الكبرى وتسيٌرها حسب مصالحها، فتركيا اليوم حاضرة في أغلب الصراعات الدولية خصوصاً أنها اختارت خندقاً غير الخندق الذي إعتادت عليه الدول الكبرى التي تمارس من خلاله الازدواجية والإنحياز لطرف على حساب الآخر مقدمة مصالحها فوق كل المبادئ والقيم الإنسانية بسبب هذه السياسات التركية التي تعتبر متمردة من وجهة نظرهم بدأت القوى الدولية باستهدافها سواء مباشرة مثل فرنسا أو من خلال تحريك الوكلاء ضدها .

لو أخذنا الخارطة التركية سنجد أنها محاصرة من أغلب جيرانها او مستهدفة من قبلهم وعلى رأس هذه القوى الإقليمية هي اليونان التي أصبحت أداة بيد فرنسا تحركها كيف ما تشاء ضد تركيا فنجدها تشارك في أي تحالف طالما هو ضد تركيا حتى لو كان هذا التحالف لا يجلب لها أي مصلحة فأصبحت سكيناً في خاصرة تركيا وهكذا بالنسبة لسوريا التي تربطها حدود قرابة ١٠٠٠ كم يستخدم النظام فيها كافة المنظمات الإرهابية ضد تركيا إضافة لنزوح قرابة ٤ مليون مواطن إليها هرباً من جحيم نظامها الطائفي والعنصري .

أما إيران فهي الجار الذي لا  يؤتمن جانبها فهي تحرك كل اذرعها للنيل من أمن تركيا فهي تستخدم المليشيات المرتبطة بها ومنظمة بي كي كي وتدعمها في أعمالها الإرهابية ضد تركيا في حين أنها تقمع مواطنيها الأكراد الذين يطالبون بأدنى حقوقهم .

أما العراق الذي تربطه أكثر من ٣٥٠  كم مع تركيا فتجد العلاقة بينهما باردة وتعيش حالة مد وجزر بسبب تأثير القوى الدولية عليه وخاصة إيران  أمام هذا الوضع الإقليمي المعادي لتركيا نجد أن الموقف الدولي أكثر عداءً من الإقليمي لتركيا فأمريكا ودول الإتحاد الأوروبي وروسيا جميعاً لا يريدون لتركيا أن تكون دولة حرة ومستقلة بقرارها وتمتلك إرادتها ويريدون إيقاف ثورتها الصناعية بشتى الوسائل، إلا أنه هناك مواقف متشددة جداً مثل فرنسا وهناك مواقف أقل تشدد مثل أمريكا وروسيا لكن الجميع متفق على إيقاف حركة التقدم فيها، لنأخذ روسيا مثلا فهي رغم عداوتها الأزلية للغرب إلا إنها لا تريد لتركيا إلا أن تترك حلف الناتو والغرب وتتبعها ففي جميع الملفات التي عملت تركيا مع روسيا نجد الأخيرة تغدر بها أو تعمل على إيعاقتها مثل الملف السوري نجدها تدعم بشار بينما تركيا تدعم المعارضة فكيف لهم أن يتوافقا في هذا التحالف على الأراضي السورية وكذا في ليبيا تركيا تدعم الشرعية في طرابلس بزعامة السراج بينما روسيا تدعم حفتر ومليشياتها من خلال السلاح أو مليشيات فاغنر التابعة لها وأخيرا في أذربيجان أرادت أن تمثل دور المحايد إلا أنها تدخلت في اللحظات الأخيرة لإيقاف الحرب بعد الإنتصار الأذربيجاني في إقليم كاراباخ ولو لا تدخلها المباشر لإستطاعت أذربيجان تحرير كامل أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا.. أمام هذا السلوك الروسي كيف لتركيا أن تطمئن للتحالف معها !؟

أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي لا تريد خسارة تركيا من الناتو ولا تريد لها أن تستقل وتطور صناعتها وبنفس الوقت لا تسمح بتجهيزها للمعدات العسكرية التي تحتاجها في ترسانتها العسكرية ! تركيا تعتبر ثاني أكبر دولة في حلف الناتو ومع هذا يراد تهميشها بينما بقية الأعضاء يتمتعون بكافة الدعم الأمريكي وبقية الامتيازات.

أمريكا تعتبر تركيا حليف لها وبنفس الوقت تدعم المنظمات الإرهابية ضدها وتشجع أي نوع من المعارضة لحكومة الرئيس أردوغان حتى في إنقلاب تموز سنة ٢٠١٦ الذي حدث في تركيا كان الموقف الأمريكي منحاز، هذا هو الموقف الأمريكي فكيف لتركيا أن تطمئن لهذا الحليف الغادر !؟

أما علاقة تركيا مع أوروبا فيكفي أن نذكر بأن أطول مفاوضات حدثت في العالم هي بين تركيا والاتحاد الأوروبي من أجل إنضمام تركيا إلى الإتحاد ولم تحسم لحد هذه اللحظة لقد طالت المفاوضات بينهما عشرات السنين بينما دول أوروبا الشرقية لم تطول المفاوضات بينهم وبين الإتحاد الأوروبي أقل من عام واحد وانضمت هذه الدول للاتحاد بعد تفكيك الإتحاد السوفيتي السابق سيما أن دول أوروبا الشرقية لا تنفع الاتحاد الأوروبي إقتصادياً مثلما تنفعها تركيا والأخيرة أكثر تطورا من دول أوروبا الشرقية لكنها الإزدواجية التي تمارسها أوروبا ضد تركيا حتى صرحت أغلب دول الإتحاد مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا جميعهم قالوا لا يمكن لتركيا أن تنضم إلى الإتحاد بسبب ثقافتها الإسلامية بينما أوروبا ثقافتها مسيحية حتى البابا بولص سابقا قال مثل هذا الكلام عن انضمام تركيا وكانت ألمانيا أقل تشددا حيث قالت بأنه يسع تركيا الشراكة الاستراتيجية مع الإتحاد ولا يسعها الإنضمام الينا بسبب ثقافتها الإسلامية !؟

هذا هو الموقف الأوروبي من تركيا الشعب وليس الحكومة كما يدعي ماكرون عندما يقول مشكلتنا مع الحكومة وليس مع تركيا فهو يكذب ويعلم بأنه يكذب وتركيا تعلم بأنه يكذب علما أنه عندما بدأت تركيا المفاوضات للانضمام إلى الإتحاد الأوروبي لم يكن حزب العدالة بزعامة أردوغان في السلطة لكن المشكلة الحقيقية هي كما صرح قادة أوروبا سابقاً بأنها مع ثقافة الشعب التركي الإسلامية .

( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )

وهنا لابد من الإشارة إلى أن رفض الإتحاد الأوروبي إنضمام تركيا إليه تنتفي عنه صفة العالمية ويعتبر إتحاد أوروبي مسيحي على خلاف حلف الناتو الذي يضم تركيا اليه .

بعدما تجاوزت تركيا قضية الإنضمام إلى الإتحاد ووضعتها خلف ظهرها بدأت دولة الإتحاد وخاصة فرنسا إحدى عجائز أوروبا تستهدف تركيا وتتحارش بها مستخدمة اليونان الأكثر عجزاً وشيخوخة من عمتها فرنسا لإستهداف تركيا من خلال التجاوز على حقوقها في البحر المتوسط.

إن أوروبا العجوز تريد من تركيا أن تبقى تلهث خلفها وهي قد تناست بأن تركيا تعيش مرحلة نهضة كبرى بينما أوروبا  تعيش حالة من الشيخوخة والعجز أشبه بما كانت عليه في العصور الوسطى وإذا استمر الحال في أوروبا على ما هو عليه الآن فخلال سنوات سوف تفقد نفوذها في جميع المناطق العربية والإسلامية ومن المرجح أن يتفكك إتحادها واقتصادها لأنها مفككة سياسياً .

أما النظام الوظيفي العربي فهو أفضل أداة تستخدمه الدول الكبرى ضد تركيا فهو مستعد لتسخير كافة مقدراته الاقتصادية والسياسية ومنابره  الإعلامية وحتى مستعد لاستخدام جيوشه خدمة للغرب إذا ما دخل في مواجهة مع تركيا فهم أسوء من ابي رغال في زمانه إذا ما كانت القضية ضد تركيا .

أما ما يسمى بحلفاء تركيا اليوم مثل قطر وحكومة السراج في طرابلس واذربيجان وحتى أوكرانيا فجميع هؤلاء ليسوا بحلفاء بل الجأتهم الظروف والحاجة الماسة لتركيا فأصبحوا حلفاء بالضرورة رغم أنهم ليسوا كفئ لتركيا فقطر مثلا لو لا تهديد السعودية والإمارات لها بالاجتياح لما لجأت إلى تركيا وكذلك في ليبيا لو لا خطورة حفتر واجتياحه لطرابلس أيضا لما لجأت حكومة السراج إلى تركيا وكذلك بالنسبة لاذربيجان وأوكرانيا فجميع هذه الدول انقذتهم تركيا وساعدتهم في محنتهم فأصبحوا أصدقاء لتركيا وأعتقد إذا ما تعرضوا لضغط دولي شديد من الممكن أن لا يستمروا بهذا التحالف الغير متكافئ .

أمام هذا المشهد الدولي نجد سفينة تركيا بزعامة الرئيس أردوغان تسير وسط هذه الأمواج العاتية بكل ثقة معتمدة على شعبها بعد الله تعالى وكل يوم هي في تقدم وازدهار وبلغت من القوة ما يحسب لها الف حساب حتى أصبحت عصية على جميع أعدائها .

( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )  .

 

 

التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.

WhatsApp chat