إلى متى ستواصل العنصرية الصهيونية تلوين عيون العالم؟

ياسين أكتاي _ المصدر: يني شفق

إن الصهيونية هي أكبر بلاء صبّ فوق رأس هذه البشرية. إنها تعتمد قبل أي شيء على عنصرية متعصبة، وتتمتع بعنصرية ذات أبعاد خطيرة. لدرجة أنهم يرون أنفسهم أهمّ أمة في العالم، أو بالأحرى الأمة الوحيدة ذات الأهمية في العالم.

إن عنصريتهم تقوم على اعتبار أن جميع المخلوقات في العالم إنما هي مسخّرة لأجلهم وخلقت لذلك الغرض. ولهذا السبب فإن جميع الناس الآخرين سواهم الذين لا ينتمون إلى شعب إسرائيل الجديد، ليس أمامهم خيار سوى خدمة هذا الشعب أو الموت.

لهذا السبب فإن جميع المشاهد التي نراها صباح مساء بصدمة وحيرة وحزن عميق، من قتل للأطفال والنساء والمدنيين عامة، فضلًا عن تدمير المنازل وتسويتها بالأرض، وتدمير المساجد وأماكن العبادة التي تتعرض للقصف، لا تعني لهم شيئًا أمام دموع التماسيح التي يغدقونها أمام ما يسمونه حائط المبكَى (حائط البراق).

إن المقابلات الشعوائية التي تجري على سبيل المثال في شوارع المناطق المحتلة مع الإسرائيليين صغارًا وكبارًا نساء ورجالًا، تُظهر من خلال أجوبتهم الأبعاد المخيفة للعنصرية الفظة التي هم غائصون فيها. حينما تنظر من الخاجر وأنت تظن بأنك تانظر إلى أناس بشر، سرعان ما تدرك أنك أخطأت النظر حينما تسمعهم يتشدقون بأفواههم عن ضرورة قتل جميع العرب والفلسطينيين دون تفريق بين طفل وامرأة وعجوز، بحجة أنهم “إرهابيون يجب قتلهم”.

لا يمكن وصف هؤلاء بأنهم بشر، لا يمكن إلحاق صفة “ناس” بمن لا يبكون إلا لأوجاعهم، ويرقصون حين رؤية أوجاع الآخرين. لا يوجد سوى الصهيونية العنصرية تسلب الإنسان من الإنسانية وتجرده منها تجاه الآخر الذي لا يشبهه.

إن هذه العنصرية ذاتها هي التي تمنحهم حق الاحتلال، وطرد الناس من بيوتهم وأرضهم، وارتكاب المجازر بمن يقاوم منهم دون تفريق بين صغير وكبير. أما ردهم على هذا الطغيان فلا يمكن وصفه سوى بالغباء والجهل المطبق، حيث يستاءلون: “ولماذا يعترض الفلسطينيون أصلًا على تهجيرهم، وقتلهم، وإخراجهم من ديارهم؟ لقد جاء أسياد العالم إلى أماكنهم هذا كل ما في القصة، فلم الاعتراض؟ ولقد مكثوا في أماكننا إلى الآن ما يكفي في الأصل، ولذلك أليس من المنطقي أن يرحل الفلسطينيون دون مقاومة؟”.

لم تكتف إسرائيل بحصار غزة واهلها طيلة 15 عامًا، تقطع عنهم الكهرباء والغاز والماء متى تشاء، ولا تدع أي شيء يصل إليهم حتى تخضعه للفحص والمراقبة، وفوق كل ذلك تقصفهم وتوقع منهم الآلاف ما بين شهيد وجريح، وترتكب بحقهم جرائم ضد الإنسانية دون خجل، وحينما ينطلق من غزة صاروخ واحد تسعى إسرائيل جاهدة لإقناع العالم بأسره أن أهل غزة إرهابيون.

إن الخطر ذاته يكمن في وصول إسرائيل إلى هذا السعي المقيت. حيث أن هناك تحالف كبير في هذا العالم متفق على ارتكاب الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية، دون تسمية الشيء باسمه محاولًا إقناع العالم كله بذلك. يجب على الجزء الأهم والأكبر من العالم أن يقتنع بما تريده دولة الإرهاب والجرائم. وذلك يرجع إلى أن الصهيونية اعتدات على قلب الحقائق بما فهيا الحقائق التاريخية.

إن إسرائيل تحلم اليوم في إعادة تجربة ما عاشته القدس قبل 2500 عامًا. وبالتالي فإن هذا الحلم يتطلب منها عكس مجرى التاريخ، وهذا هو أبسط تعريف للصهيونية.

وفي هذا السياق نجد أن سيغموند فرويد وهو أيضًا يهودي، يشبه هذا النوع من العناد اللاواقعي، بالرغبة في العودة إلى الرحم بعد الولادة، مشيرًا إلى استحالة ذلك من جهة وإلى درجة الانحراف الموجود من جهة أخرى. ولم تكن استحالة هذا الشيء هي الجزأ الأهم بالنسبة لفرويد، بل كان الأهم بالنسبة له إظهار نوع الرغبة التي يستندون لها في فهم التاريخ.

ومن أجل تحقيق هذا الشيء المستحيل من الناحية الوجودية من الضروري تعكير صفو السلام في العالم كله، وجعل السلام العالمي مستحيلًا، وتحويل العالم إلى شتات للجميع. وبمعنى آخر؛ من الضروري -بالنسبة لهم- تحويل “الشتات” من تجربة يهودية إلى حالة على الجميع أن يعيشوها بلا معنى.

ولأن هذا الهدف غير السامي يتطلب تنظيمًا حقيقيًا على نطاق عالمي، فمن الضروري حشد وتوظيف واستخدام أكبر قدر ممكن من المجتمعات والجماعات والدول والأمم في خضم هذه الرحلة الطويلة.

ولذلك السبب لن نكون مبالغين حينما نقول بأن الولايات المتحدة اليوم تحت الاحتلال الصهيوني، وهي التي كرست وجودها من أجل وجود إسرائيل، بكل ما تملك من سياسيين وأكاديميين، ورجال أعمال ووسائل إعلامية.

إن تصريح كل من رئيس وزراء النمسا ووزير خارجية ألمانيا عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، قبل أن يخدش أنف إسرائيلي واحد حتى، في الوقت الذي كانت الغارات الإسرائيلي تمطر على أهالي غزة وأسقطت منهم شهداء بينهم أطفال؛ لا يشير ذلك إلا إلى أن القسم الأكبر من أوروبا واقع تحت الاحتلال الصهيوني، او يتم استخدامه من قبل الاحتلال الصهيوني.

ولذلك فإن ألمانيا ليست دولة حرة، حيث أنها لا تملك خيارًا أو دورًا وسى دعم إسرائيل، ومن المستحيل أن تقوم بغير ذلك. كذلك الأمر بالنسبة للنمسا فهي دولة ليس لها وجود أمام إسرائيل.

تقوم الصهيونية من أجل تحقيق نبوءة تعتقد أنها خاصة باليهود، باللعب في أرواح جميع الناس في العالم، وأموالهم وتاريخهم وآمالهم وأمنياتهم، وتسخرها للعب أدوار لا تحمل أي قيمة وأهمية. ولذلك السبب تزهق في سبيل ذلك آلاف الأرواح دون أن يرمش لها جفن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن مجرد أي اعتراض أو انتقاد على هذه العنصرية الصهيونية التي تفتك بالعالم، يجعلك مجرمًا معاد للسامية ومعاد لليهود. وهذا الشيء وحده يظهر مدى فظاعة بلاء الصهيونية. حيث أن الصهيونية تمنحهم حق إظهار جميع أنواع العداوات ضد أي كيان أو فرد يقف في وجههم، تخولهم الحق لارتكاب كل أنواع الكراهية والجرائم ضد الإنسانية، ويجب على العالم كله أن يراهم محقين فيما يفعلون، إلا أنه لا يمكن لأي على الإطلاق أن يعترض عليهم او ينتقدهم. وإن محاولة الصهيونية في أن يتبنى العالم كله هذا المنطق غير العاقل والمتبصر، يعتبر من أكبر أعراض الخطورة.

لكن دعونا نختم حديثنا ببث نور الأمل؛ حينما يصل مستوى الخطورة لهذا الحد فإن قوة الخلاص تتطور. وإننا في اللحظة التي يبدو فيها هذا المنطق أكثر احتدامًا، ونرى بوضوح كيف يقوم هذا الكيان بتدمير نفسه بنفسه.

التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.

WhatsApp chat