د.أيمن نور يكتب: لماذا أحب المنصف المرزوقي؟ ولماذا يكرهونه؟
بقلم/ د. أيمن نور
عرفت في حياتي أقزاماً كالعمالقة، وعمالقة كالأقزام، عرفت رؤساء، ووزراء، وقادة دول، يبدون طوالاً عراضاً من خارجهم، لكنهم صغاراً متضائلين من داخلهم، عرفت صعاليك يدعون أنهم نبلاء وملوك، وعرفت ملوكاً لهم أخلاق وسلوكيات الصعاليك، شخصيات قليلة في حياتي، لم أجد فارقاً، بين مظهرهم، ومخبرهم، بين داخلهم، وخارجهم، بين ما يقولون وما يفعلون.
في مقدمة هؤلاء العمالقة الكبار، الذين أعادوا لي الثقة في المواقف واتساقها مع المبادئ، الرئيس محمد المنصف المرزوقي، أول رئيس منتخب بشفافية، في الدول العربية، وأول رئيس عربي، يعتلي مقعده بصندوق الانتخابات ويغادره احتراماً للصندوق رغم كل المؤامرات، والخيانات، وتحالفات المال الفاسد، مع رموز الثورات المضادة، أحب الدكتور المنصف المرزوقي قبل أن أعرفه شخصياً، وأحببته أكثر، بعد أن عرفته في السنوات العشر الأخيرة. أحببت فيه “مبدئه الحقوقي” وعمق “رؤية المفكر” وشجاعة المعارض وجسارة الثائر ورقة قلب الطبيب وعذوبة لغة الشاعر وإخلاص ووفاء الإنسانأحببت فيه أنه إنسان بامتياز.
لقد افقدتني الغربة، أصدقاء وشركاء زمن “الرغد والرخاء” كما أفقدني “الموت” أساتذة لي أحباء لقلبي وعقلي وعوضني الله بشرف معرفتي بالدكتور المنصف المرزوقي، أحببت فيه نقاء واستقامة وتواضع مصطفى النحاس، أحببت فيه ثقافة وصرامة العقاد أحببت فيه رقي خلق فؤاد سراج الدين وإنسانية مصطفى أمين، ونبل يسارية نبيل الهلالي عرفته حقوقياً عربياً قبل أن أعرفه شخصياً رمزاً وأيقونة للربيع العربي.
عرفته مرشحاً رئاسياً من الشعب، عندما خاض أول انتخابات رئاسية في تونس ضد بن علي عام 1994، فاقتضيت به عام 2005 وخضت أول انتخابات رئاسية ضد مبارك عرفته معتقلاً سياسياً ومنفياً خارج بلاده قبل أن أعرف معنى النفي، عرفته وزورته في قصر الرئاسة بقرطاج، والذي خرج منه مثلما دخله، نظيفاً متواضعاً مرفوع الرأس، عرفته وزورته في بيته الصغير جنوب تونس حيث قدم لي بنفسه وهو رئيس أقداح القهوة وسينفونيات بيتهوفن، أحببت فيه الإصغاء الحنون، الموقف الودود، والاهتمام الصادق
10 سنوات لم أمرض فيها إلا وزارني، لم أحبط فيها إلا وشد من أزري وشحذ همتي، فلماذا يكرهون المنصف المرزوقي ويشوهونه؟ المنصف المرزوقي .. رجل نظيف .. ولهذا يكرهه القذرون رجل صريح .. لهذا يكرهه المنافقون، رجل مستقيم .. في زمن السياسة فيه هى فن اللف والدوران، إذا كانت مقولة “لا نبي في وطنه” تنطبق على أكثر أحد، فلن يكون أحد أكثر من الدكتور المرزوقي تنطبق عليه وبحق هذه المقولة.
- يراه بعض الكارهين له أعنف مما ينبغي في مواقفه وخياراته
- ويراه العارفين له أنه الأقوى، وليس الأعنف في خياراته ومواقفه
- يراه بعض الكارهين له لا يصلح لأن يلعب دوراً سياسياً وهو السياسي ابن السياسي
- ويراه العارفين له أنه – أيضاً – لا يصلح – فعلاً – للسياسة لكن في حالتها الراهنة
لكنه الأنسب للسياسة إذا أردنا تنظيفها من أوساخها المتراكمة، والطفيليات الشعبوية التي علقت بها، يراه بعض الكارهين له أنه ليس رجل دولة، ويراه العارفين له أنه وحده رجل بدولة كاملة، يراه بعض الكارهين له حقوقياً رائعاً .. لكنه لا يصلح كسياسياً أو دبلوماسياً فاعلاً.
ويراه العارفين له سياسياً ودبلوماسياً من طراز فريد يضع الحقوق والحريات على يمينه والثوابت الأخلاقية والانسانية على يساره، وعمامة ابن حنبل فوق رأسه، فهو غاندي العرب، وابن حنبل السياسة، صاحب مقولة : السياسة أخلاق أو لا تكون، فهو لا ينحني لظالم، ولا يلتفت عن حقوق مظلوم، لا يثني على ذكاء معتوه، ولا يلوث يده بأن يشد على يد مستبد ويقول له ما أعدلك، يراه بعض الكارهين فشل في الحفاظ على مقعده الرئاسي، ويراه العارفين رئيساً عربياً وحيداً أجرى انتخابات حرة وهو في السلطة، وخسرها في جولة الإعادة، وبفارق بسيط، يضيف لرصيده ولا يخصم منه، ليكون أول حاكم عربي يخسر انتخابات ويعترف بالخسارة ويسلم السلطة بشكل ديمقراطي، لو كتب التاريخ على حقيقته، سيعرف الناس من هو المنصف المرزوقي ومن هم الذين يتوحمون على لحمه ويشوهون صورته ويتآمرون على حريته.