تامر المغازي يكتب: لبنان الحبيبه وداني وإذاعة سترايك

 

بقلم/ د. تامر المغازي

كاتب وصحفي مصري

عندما أسمع أذاعه سترايك وخصوصا برنامج داني يأخذني الحنين إلى تلك الشجرة لرائحة اللوز، ولثمر التين، لنبع يصب بردا وسلاما .. يأخذني الحنين إلى صوت اللينانيين ولهجتهم المميزة الجميلة الرقيقة وخصوصا ( مايا دياب ) يناديني عندما أزور هذا البلد الرائع  … آه يا لبنان .. وبينما تتجول في شوارع وضواحي لبنان تسمع صوت فيروز في كل مكان وكأنه صوت من الجنه  تطربك بأجمل الكلمات وصوتها الملائكي.

أشتاق لحنان ودفء الاستقبال من أصدقائي اللبنانيين

 

أتذكر جبال الأرز  وأنا استمتع  بفيروز وهي تشدو:  (ستي من فوق مافي زورها راحت عالعيد والعيد بعيد)، فتبحر ذاكرتي في الزمن الجميل حين تعرفت اول مرة على الجاردينيا، وسمعت اول مره شعرا حزينا لم أكن سوى ابن 18 عاما  وكنت احب ان اضع الماء لشجرة منزل صديقي عدنان احلفكم بالله خذوا سلامي إليها فانا كنت اسقيها كل صباح واغني لها يا زهر الليمون، حينما أتحدث عن لبنان أجدني مأخوذ  بحالة حب ووجد عبرت عنها فيروز في اغنيتها: كيف ما كنت بحبك بجنونك بحبك، وإذا نحنا إتفرقنا بيجمعنا حبك، وحبة من ترابك بكنوز الدنيي .

كما يتنوع إبداع الطبيعة الكونية في صنع الخالق العظيم في لبنان، تتنوع أيضا التربة الفكرية والفنية والاجتماعية بين أبنائه، غير أن هذا التنوع رغم ما يموج به من تناقض فريد إلا أنه يمثل نسيجا اجتماعيا مدهشا بفعل ما يتمتع به لبنان من حرية وانفتاح على الآخر، خلق بداخله روحا خاصة نادرا ما تتواجد في بلد عربي على هذا النحو، وبالرغم من صغر مساحة لبنان إلا أن الطبيعة منحته ثراء في مناخه وأرضه، حيث يمتزج اللون الأزرق لبحره المتوسط، ببياض الثلوج فوق قمم جباله، كما يمتزج اللون الأخضر للمروج، مع  الجبال الصخرية والوديان الساكنة التي تنساب في أحضانها مياه الأنهار وتتفجر من جنباتها الشلالات فتنمو غابات صنوبر وتترعرع  البسايتن وتتزين باشجار الكروم .

ولا غرابة إذن أن يجد كل زائر للبنان ضالته المنشودة، حيث تموج أرضه بالابداع الفكري والأدبي والفني، كما تموج بالثقافة الإسلامية حيث تمتلئ مساجدها وكنائسها بالمصلين والمؤمنين، بينما يجد الباحث عن الانطلاق فسحته في النوادي الليلية ودور السينما والمقاهي، لعل هذا المزيج البديع للحياة الاجتماعية والثقافية اللبنانية قد انعكس على معطياتها السياسية، حيث تتنوع الاحزاب والتيارات السياسية، كما تتنوع البنايات الحديثة امام الطرز المعمارية التراثية المبنية بالحجر الصخري المقصوب, المكللة بقرميد، وهي مباني حافظت على احترامها للطبيعة، وكم لبت متطلبات العيش في أيام أجدادنا وأهلنا كما مدن بيروت, صيدا, جونية, عمشيت, دير القمر, المختارة, صاليما, دوما, وغيرها من المدن التي تحوي كنوزاً تراثية.

ويعد فن العمارة التراثية في لبنان شاهدا على الحضارة القديمة وتمازجها خلال العديد من الحقب التاريخية، حيث تتنوع نماذج العمارة التقليدية بين القرن الرابع عشر والقرن العشرين، ويربط المتخصصون بين هذا الإرث المعماري وبين التناغم مع الطبيعة وعلاقتهما بالعلاقات والحياة الاجتماعية اللبنانية، فيقول المهندس فضل الله داغر في مقدمة كتاب “الإنسان, الأرض والحجر ¬ فن العمارة التراثية في لبنان”: ما زلنا نجد اليوم مجموعات قروية ومدينية تراثية محافظة على تماسكها. وهذا التراث, النابض بالحياة, والحامل في ثناياه ذاكرة شعب وأرض.

وهناك يجد عشاق الطبيعة خاصة عشاق التزلج  بغيتهم في أشهر الشتاء  ويستمتعون بتسلق قمم الجبال البيضاء، بينما يسمتع هواة التراث المعماري بمشاهدة العديد من المناطق التراثية مثل دير القمر التي يزين القرميد الأحمر أسقفها وجامع الأمير فخر الدين وقصور آل باز كما يستمتعون بجبال الأرز والصنوبر وروابي الجبل وهي تغطي الباروك .

ويحظى عشاق الأبراج والكنائس القديمة بمشاهدة آثار منطقة عين زحلتا، البرج وكنيسة القديس نيقولا ودير القديس كيريلس ومناجم رمل الزجاج الأبيض وتأتي القمم الشاهقة  المزينة بالثلوج  وبغابة الأرز الخالد لتمتع عشاق الطبيعة، وهو الأرز الذي اتخذه الشعب اللبناني رمزا” وشعارا”لخلوده وصموده، أما منطقة الحازمية، فتضم أطلالا رومانية أقيمت فوق مجرى نهر بيروت فتهدم بعضها ولم يبق منها إلا بعض القناطر تعرف باسم قناطر زبيدة.

في حين تحظى منطقة قرطبا بالكتابات المنقوشة التي تعود إلى العصر الروماني، ومثلها منطقة العاقورة وهي بلدة أثرية غنية بالكتابات والنقوش التي تعود إلى العصر الروماني ، كما تضم طريقا رومانية وكنائس قديمة، وتتعدد مصايف لبنان ومنها مصيف حمانا الذي يرتبط اسمها باسم الشاعر الفرنسي لامارتين الذي زارها ووصف قصر المقدمين وصفا رائعا وصنفه في المرتبة الثانية بعد قصر الأمير بشير الشهابي في بيت الدين.

أما “فالوغة” فقد كانت  مقرا  للأمراء، و تعتبر مركزا مهما لعمال الحريرمنها تنبع عين الصحة التي أصبحت مياهها شهيرة في العالم. ومثلها قرنايل التي كانت مركز الأمراء  ومن أهم منتزهاتها عين البستان في غابات الصنوبر.

بينما تمتاز  “شملان” بمناظر خلابة وتكثر فيها المنتزهات بين غابات السنديان والصنوبر، وهي مشهورة بزراعة التوت وتربية دودةالحرير .أما مصيف ” عيناب” فيشتهر ببيوته القديمة وهوائه العليل، ومن المناطق التراثية الجميلة “بيت مري” التي كانت قديما” مركز عبادة الإله الفينيقي بعل مرقد الذي أقيمت على أنقاضه كنيسة البلدة في القرن الثامن عشر وما تزال بعض أعمدته قائمة في موضعها وتعود الآثار العديدة المكتشفة فيها الى أيام الرومان والبيزنطيين. وعلى مقربة من حمامات البلدة الأثرية كنيسة بيزنطية أرضيتها مرصوفة بالفسيفساء .

إن لبنان يسكنني كما سكن قلب جدتي، وطن حاضر بقلبي غني بإبداع الخالق فيه ويظل نابضا بالجمال وكما يتجلى سحر الطبيعة، يتجلى أيضا إبداع الفنانين والشعراء والمفكرين الذين صدروا إبداعهم في العالمين العربي والغربي على حد سواء فهاهي أصوات فيروز والشحرورة صباح ونور الهدى وسعاد محمد ونجاح سلام، ووديع الصافي  وفهد بلان  تغزو العالم العربي .

وعبقرية الطبيعة اللبنانية أنجبت كبار الموسيقيين مثل عاصي ومنصور الرحباني، اللذين شكلا الهوية اللبنانية عبر الفلكلور وتتوالى أجيال عباقرة  الموسيقى مثل زكي ناصيف وتعبيره عن الضيعة، وزياد الرحباني وعبقريته في الموسيقى الغربية خاصة الجاز، الموسيقار فليمون وهبة، وتوفيق الباشا، ومارسيل خليفة، وملحم بركات .. وغيرهم، كما صدرت لبنان شعراءها ومفكريها وكتابها لكل مكان في العالم من خلال شعراء الرابطة القلمية مثل جبران خليل جبران صاحب الأنشودة الخالدة: ليس في الغابات حزنٌ لا و لا فيها الهمومْ

فإذا هبّ نسيمٌ لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس الاَّ ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
و غيوم النفس تبدو من ثناياها النجومْ
أعطني الناي و غنِّ فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الزمنْ

. وايليا ابو ماضي الذي ظل يدعو إلى التواضع فقال:

ألا أيها الابريقُ ما لكَ والصلفْ فما أنتَ بلورٌ ولا أنتَ من صدفوما أنتَ إلا كالأباريق كلها ترابٌ مهينٌ قد ترقى إلى خزفْ، وميخائيل نعيمة الذي أعلن طمأنينته للدنيا وتحداها أن تنال من هذه الطمأنينة : سقف بيتي حديد** ركن بيتي حجر فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطرا باب قلبي حـصين

وسعيد عقل الذي تغنى بحب لبنان ملء قلبه و قلمه فقال: من أين يا ذا الذي استسمته أغصان من أين أنت فداك السرو والبانإن كنت من غير أهلي لا تمرّ بنا أو لا فما ضاق بإبن الجار جيران ومن أنا لا تسل سمراء منبتها في ملتقى ما ألتقت شمس وشطانلي صخرة علقت بالنجم أسكنهاطــــارت بها الكتب قالت تلك لبنان

وأنسي الحاج صاحب التناقضات الأجمل الذي قال:

يوم ولدتِ كنتُ كبيراً. أمسِ كنت صغيراً يومَ كبَرتِ. ولولا الضوء لما رأيتُ من عمري سوى الرعشة. صغيراً كالبداية، وأنتِ كبيرةٌ ككلّ ما يجعل النهايات تبدأ من جديد.

أنتِ لسوايَ، ككلّ منْ أحببت. لسوايَ، ككلّ ما هو لي
هذا لبنان الذي تمتع طوال تاريخه بعبقرية المكان و إنسانية الإنسان.

هذا البلد صنع الله الذي أتقن كل شئ خلقه هل يستحق من ساسته وزعمائه ما مر به من أزمات على مر عقود من الزمن وحروب اهليه ونزاع على السلطة وتناحر لا يمت لمطالب الشعب بصلة من قريب او بعيد، وأخيرا وليس أخرا أذاعه سترايك التي اسهر معها كل يوم أثنين وجمعه علي صوت داني الذي يلقي الشعر ويختار الأغاني بطريقة أحترافيه ليس لها مثيل، من كل قلبي شكرا لكل الشعب اللبناني الكريم علي حسن الضيافة وحسن المعاملة

 

التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.

WhatsApp chat