التاريخ لا يعيد نفسه معنا

حسين صالح السبعاوي | الخليج أونلاين

 

بقلم/ حسين صالح السبعاوي

لن يتكرر خطأ الأجداد عندما تحالف بعضهم مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وما قبلها بحجج واهية لا ترتقي إلى المصالح العليا للشعوب العربية والإسلامية ولا تستند إلى أدلة شرعية قطعية وإنما كان الدور الأكبر لهذا التحالف هو لبريطانيا التي تتقن دس السم في العسل فاستطاعت أن تستميل بعض الشخصيات العربية لتحصل من خلالهم على تحالف عربي معها ضد العثمانيين ومن أبرز من تحالف معها في تلك الفترة  هم كل من مصر ونجد والحجاز وقلة قليلة في الشام ، وهنا أريد التركيز على أهم الأسباب التي دعت بعض العرب للتحالف مع بريطانيا آنذاك وهل يمكن إعادة مثل هذا التحالف اليوم .

أولا : بعد الانقلاب الذي حصل على السلطان عبد الحميد الثاني سنة ١٩٠٨ لم يبق من السلطة شيء بيد العثمانيين بل انتقلت الى جماعة الإتحاد والترقي وجماعة الطورانية وغيرهم وهؤلاء مارسوا العنصرية والإقصاء ضد العثمانيين قبل العرب لهذا كانت هذه حجة لبعض العرب التخلي عن الدولة العثمانية والتحالف مع بريطانيا خصوصا بعد حصولهم على وعود بحكم المنطقة ضمن (خلافة عربية) .

٢- بالنسبة لمصر كانت تحت حكم سلالة محمد علي وهم ناقمون ومتمردون على الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية وقد دخلوا في معارك عنيفة ضد العثمانيين وكانت فرنسا والغرب يدعمون محمد علي في تمرده ضد الدولة، إذاً كان وضع مصر مع العثمانيين أشبه إلى حد ما بالكونفدرالية فليس مستغرب تحالفها ضد العثمانيين .

٣- كان لرمزية الشريف حسين بن علي أثر على أهل الحجاز خصوصا هو ينتمي في نسبه إلى ( آل البيت ) يقابله في ذلك ممارسة جماعة الإتحاد والترقي العنصرية في ادارتهم للدولة الحديثة مما جعل بريطانيا تستثمر هذا الوضع الشائك أفضل استثمار لصالحها .

٤- كان للإعلام المسموع والمقروء دور كبير في التأثير على الرأي العام وشيطنة الدولة العثمانية من خلال الصحف والمجلات والراديو وكانت لبريطانيا السيطرة والهيمنة على هذه الوسائل الإعلامية .

٥- بعض علماء السوء الذين اجازوا هذا التحالف المشبوه وهؤلاء موجودون في كل زمان عبر التأريخ وهم يقولون بما يقول به الحاكم كما هو حال اليوم عندما خرج علينا مفتي مصر ويقول ( الإحتلال العثماني لإسطنبول ) وبسبب الضغط الشعبي عليه تراجع عن فتواها ليأتي بما هو أسوء وكأنه يمثل كيان سياسي وليس مفتيا لأكبر دولة عربية، وغيره من المدخلية السعودية الذين هم من صناعة المطابخ الأمنية للأنظمة العربية .

ورغم كل ما ذكر في أعلاه لا يمكن تبرير هذا التحالف وإعطائهم الشرعية عليه لأن نتائجه كانت كارثية على العرب والعثمانيين معا بينما بريطانيا هي من حصدت ثمرة هذا التحالف ثم الصهاينة الذين جاءت بهم بريطانيا لإحتلال فلسطين وخرج العرب من هذا التحالف بخفي حنين .

أما اليوم يريد بعض حكام العرب وخاصة في مصر والإمارات والسعودية لإعادة هذا التحالف فنقول لهم هيهات هيهات لكم تحقيق هذا التحالف لأنه لا تتوفر الأسباب ولا المبررات التي دعت الأجداد سابقا التحالف مع بريطانيا فاليوم لم يحكم تركيا جماعة الإتحاد والترقي ولم تحتل تركيا الدول العربية بل العرب هم من يحكمون أنفسهم منذ قرابة ١٠٠ عام ولم يستطيعوا النهوض ببلدانهم كما كانوا يعدون شعوبهم بل جعلوها مشاع لكل أجنبي طامع فيها أما شعوبهم فهم في سجن كبير لا يجرؤ أحد منهم التعبير عن رأيه  ، ولا توجد دولة مثل بريطانيا تتقن الدهاء السياسي لتقنع بعض ( النخب العربية ) للانضمام لهذا التحالف بل ما موجود هو ترامب الذي نهب أموالهم وهم صاغرون، ولا توجد شخصية تحمل من الرمزية كما كان للشريف حسين بن علي من رمزية، بل ما موجود هو النطيحة وما أكل السبع من أنظمة دكتاتورية تقمع شعوبها وتصادر حرياتهم ورهنت مقدرات البلاد الاقتصادية بيد أمريكا وأكثر من ذلك السعي حبوا للتطبيع مع الصهاينة والتخلي عن فلسطين فمن من الشعوب العربية سوف يرضى بتحالف يضر تركيا التي وقفت مع الشعوب في مطالبها للحرية والديمقراطية ووقفت معهم في محنتهم عندما هجروا من بلدانهم بسبب القمع الذي نالوه من هذه الأنظمة القمعية ويقدر عدد المهجرين العرب اليوم بنحو ٥ ملايين مهجر من شتى البلدان في تركيا اغلبهم من سوريا الحبيبة التي استولى عليها نظام بشار بدعم إيراني وغربي .

وبعد كل هذا يريد السيسي وبن زايد وغيرهم من أنظمة الليكود ‎ العربي أن يجمعوا تحالف عربي بدعم من الصهيونية العالمية لمواجهة تركيا ألا يعلم هؤلاء بأن تجربة التحالف لسنة ١٩١٦ وما قبلها لا يمكن أن تسنسخ لأن الحال اليوم مختلف تماما عما كان عليه في السابق، هم اليوم عاجزين على أن يجدوا أي مبرر لهذا التحالف على خلاف أجدادهم الذين أوجدوا بعض المبررات حتى لو كانت واهية .

إن هؤلاء وأمثالهم لو منحت الشعوب العربية قسطا بسيطا من الحرية لما بقي أحد منهم في السلطة ولكنستهم شعوبهم إلى مزبلة التاريخ فهم فقدوا الشرعية وهم من أغتصب السلطة بدعم أسيادهم الذين أوجدوهم حراسا على مصالحهم وجلادين لشعوبهم .

لكن على الشعوب العربية وخاصة في بعض دول الخليج أن تنتفض ضد هؤلاء الذين ساموهم سوء العذاب ونكلوا بهم وقمعوا حرياتهم وصادروا ممتلكاتهم ولا يمكن أن ينتظروا قدر الله بهم بل ليكونوا هم قدر الله عليهم، والحرية تؤخذ ولا تعطى ومهما كان الثمن فهو أهون من حياة الذل والمهانة التي يعيشونها تحت سلطة بن سلمان وبن زايد .

( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 

 

التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.

WhatsApp chat