د.تامر المغازي يكتب: St. Jozefbasisschool حيث يولد حب القراءة في فصل الربيع الهولندي
في قلب أحد الأحياء الهادئة في هولندا، حيث تتداخل الطرقات المرصوفة بالبحيرات اللامعة، تقف مدرسة St. Jozefbasisschool لا كمجرد مبنى تعليمي، بل كواحة للإبداع والدفء العائلي.
هنا، لا يقتصر دور المدرسة على تعليم القراءة والكتابة، بل على غرس شغف التعلم مدى الحياة. وكان “أسبوع كتاب الطفل” (Kinderboekenweek) الذي انطلق مؤخراً خير شاهد على هذه الفلسفة التعليمية الفريدة، حيث تحولت أروقة المدرسة إلى عوالم قصصية نابضة بالحياة.
أسبوع كتاب الطفل حين تتحول المدرسة إلى حكاية ساحرة، لم يكن الأسبوع مجرد نشاط روتيني على جدول المدرسة، بل كان احتفالية كبرى بالكلمة والصور.
تحولت الصفوف إلى عوالم مختلفة: فصل أصبح غابة استوائية حيث تعيش الشخصيات الحيوانية، وآخر تحول إلى قصر جليدي من حكاية خيالية.
لم يكن الهدف الترفيه فقط، بل كان pedagogisch (تربويًا) بحتًا عن ربط متعة القراءة باللعب والخيال، مما يجعل الكتاب صديقًا محبوبًا وليس واجبًا إلزاميًا.
قلب المدرسة النابض: مدير لا يعرف المستحيل، السر وراء هذه النجاحات المتكررة يكمن في قيادة المدرسة.
المدير، هو ليس إداريًا behind a desk behind a desk (وراء مكتب)، بل هو روح الحملة المحفزة.
يراه الأطفال وهو يقرأ بأصوات مختلفة للشخصيات، ويشارك في الألعاب المسرحية، ويتجول في الممرات مبتسمًا، معتنيًا بكل طفل كما لو كان أحد أبنائه.
فلسفته بسيطة: “عندما يشعر الطفل بالأمان والسعادة، تفتح عقوله مثل الزهور للشمس”.
إنه قائد تربوي يرى المدرسة كعائلة ممتدة.
صناع المعجزات: فريق المدرسين المتفانين
إذا كان المدير هو القلب النابض، فإن المدرسين هم الشرايين التي تنقل الحماس والحب إلى كل ركن.
فريق التدريس في St. Jozefbasisschool يتميز بتفانٍ نادر.
إنهم لا يكتفون بتدريس المنهج، بل يدرسوا الطفل بكل مشاعره، اهتماماته، مخاوفه، وأحلامه.
خلال أسبوع الكتاب، كان المدرسون يرتدون أزياء الشخصيات، يبتكرون ورش عمل لصناعة الدمى، ويوجهون الأطفال لكتابة قصصهم الخاصة.
الاهتمام فردي، والعناية فائقة. يُلاحظ كيف ينحني المعلم ليسمع همسة طفل خجول، أو ليشجّع آخر يحاول قراءة جملة صعبة.
هذه اللمسة الإنسانية هي التي تحول التعلم من عملية نقل معلومات إلى علاقة إنسانية عميقة.
الطفل في المركز فهي فلسفة التعليم التي تتبناها هولندا تتجسد هنا
مدرسة St. Jozefbasisschool هي نموذج مصغر للنجاح التعليمي الهولندي، حيث يتم التركيز على:
تنمية الفضول: تشجيع الأسئلة والاستكشاف بدلاً من الحفظ.
التعلم through play (من خلال اللعب): فهم أن اللعب هو وسيلة الطفل الأساسية لفهم العالم.
· الشراكة مع الأهالي: العلاقة بين المدرسة والمنزل قوية ومستمرة، لضمان بيئة داعمة ومتناسقة للطفل.
في نهاية أسبوع كتاب الطفل، لم يحمل الأطفال إلى منازلهم مجرد كتب جديدة، بل حملوا ذكريات عن سحرة حقيقيين ومغامرين، كانوا في الحقيقة مدرسيهم ومديرهم. St. Jozefbasisschool ليست مدرسة عادية؛ إنها مجتمع مصغر يزرع الثقة والإبداع واللطف.
إنها المكان الذي لا يُقال فيه للطفل “اقرأ” فحسب، بل يُقال له: “هيا بنا نعيش المغامرة معًا”. وفي هذا الفارق، تكمن روعة التعليم الحقيقي.
